رحلة البحث عن الحلول في العقول الشابة مستمرة برنامج القيادات الشابة الثامن: من يسأل لا يتوه
صامد السامعي
"نحن جيل أخر يعاني بسبب عدم استقرار الوضع في اليمن، والجيل الاخير الذي يمكنه أن يقدم حلول وينقذ هذا البلد" بدت الشابة هبة نعمان واثقة من نفسها، وتعي ما تقوله عندما كانت الكلمات التي شكلت في النهاية هذه الجملة الصادمة تخرج من فهما. ومع أنها لا تتوقع أن الحرب في اليمن ستتوقف قريبا، إلا أن لديها تصور واضحة بشأن مستقبلها: هدفي اطلاق مبادرة للمبدعين والمبدعات من القيادات الشبابية في محافظة تعز، وأن التحق بالأعمال التطوعية والمبادرات الشبابية والاجتماعية التي تساهم في نهضة المجتمع، وأن أطور قدراتي ومهاراتي، وأن أعمل بدون كلل لتوليد طاقة كهربائية من القمامة"، كما لم تنسى الإشارة إلى أن التخرج من الجامعة بتفوق ودراسة الماجستير لهما الأولوية.
وهي لا تزال في المدرسة، احتاجت هبة أن تعرف أمرا واحد فقط لكي تحدد ما ستقوم به خلال السنوات المقبلة، وربما خلال مستقبلها كاملا. في سبتمبر/ أيلول 2017، عندما أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية النسخة الثالثة من برنامج القيادات الشابة الذي تمنت أن تتاح لها الفرصة يوما ما للمشاركة فيه، كانت قد مرت ثلاث سنوات منذ أن انفجرت الحرب -المستمرة حتى اليوم- في اليمن. في ذلك الحين كانت هبة طالبة الصف الأول ثانوي التي ودعت ربيعها الخامس عشر للتو تزور- مع بعض افراد اسرتها- اقارب لهم، يقطنون في عزلة حذران بمديرية التعزية محافظة تعز، وهي منطقة قريبة من خط التماس.
كانت تلك المنطقة قبل الحرب مصدر رئيسي للحبوب ومياه الشرب لمدينة تعز، لكن مع الحرب وظروف الحصار التي تعيشها المدينة تحولت المنطقة إلى مكب نفايات، وعندما وجدت هبة الوضع على هذا الحال بدأت تفكر عما اذا كان ممكنا أن تساهم في مواجهة هذه المشكلة، واحتاجت أن تعرف أن هناك امكانية لعمل حل لكي تذهب مباشرة في تبني فكرة الحل. وعندما وجدت أن تنفيذ مشروع لإنتاج طاقة كهربائية كبيرة، نظيفة، خضراء، وصديقة للبيئة عن طريق دفن النفايات في حفر أرضية ممكنا وفقا للإمكانيات المتاحة في اليمن، تحفزت أكثر. لاحقا، عرفت أيضا أن تنفيذ هذا المشروع يحتاج لتظافر جهود كبيرة، لذا عندما اشتركت في برنامج القيادات الشابة الثامن، و اتيحت لها الفرصة لتصميم المشروع بشكل منهجي تواصلت مع صندوق النظافة والتحسين لمعرفة ما اذا كان ممكنا ان يساهموا فيه من خلال توفير ارضية في منطقة الضباب من اجل أن عمل المصنع هناك.
في سبتمبر/أيلول 2022 اُطلق برنامج الأمم المتحدة الانمائي، ومؤسسة تنمية القيادات الشابة برنامج القيادات الشابة الثامن تحت عنوان " الارتقاء بمستقبل الشباب من خلال جودة التعليم والمساواة بين الجنسين" مع التركيز الشامل على الوصول إلى التعليم الجيد (الهدف الرابع من اهداف التنمية المستدامة) والمساواة بين الجنسين (الهدف 5) كوسيلة لتغيير مستقبل الشباب والشابات في اليمن. واستهدف البرنامج شباب وشابات اليمن في محافظات تعز، عدن، وحضرموت بين 19-29 عام في مسارين: بناة المجتمع وريادة الأعمال الاجتماعية.
حلول مبتكرة
يقول المثل اليمني "من يسأل لا يتوه"، على هذا النحو يمضي برنامج القيادات الشابة منذ ثمانية أعوام. في كل دورة يوجه عدة اسئلة للشباب والشابات: هل لديك/كِ مشروع ريادي مبتكر أو حل مبتكر لمعالجة تحدي اجتماعي في المجتمع الخاص بك ؟ هل تريد معرفة المزيد عن أهداف التنمية المستدامة؟ هل تريد / ي أن تلتقي بقيادات شابة اخرى ؟ هل تريد/ ي معرفه كيفيه تصميم وتنفيذ مشاريع تساعد المجتمعات المحلية الخاصة بك؟ هل تريد/ ي معرفة كيفية تصميم فكرة مشروعك الريادي وتنفيذه على ارض الواقع؟
من خلال المشاركة في برنامج القيادات الشابة، تتاح للشباب والشابات الفرصة بان يكونوا جزءًا من شبكة ديناميكية من القادة الشباب /الشابات والمبدعين/المبدعات الذين يرغبون في مساعدة مجتمعاتهم على إعادة البناء بشكل أفضل. كما يتاح لهم/ن المجال للمشاركة في فرص واسعة ليس فقط لتنفيذ أفكارهم/ن من أجل التغيير الاجتماعي، ولكن أيضًا لتطوير مهاراتهم/ن القيادية. وتطوير مهاراتهم/ن في مناهج ومنهجيات الابتكار الاجتماعي بالإضافة إلى زيادة مهاراتهم/ن في حل المشكلات والقيادة، وتقوية قدراتهم/ن في العروض التقديمية، ومعارفهم/ن عن الذكاء الاجتماعي.
يساعد البرنامج الشباب والشابات في توسيع معرفتهم/ن بأهداف التنمية المستدامة، وفهم الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والصحة النفسية ودورها في إحداث التغيير الفعال، ويدفهم للعب دورًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة العالمية. بالإضافة إلى ذلك، يتاح لصاحب/ة أفضل مشروع المنافسة في مسابقة اقليمية، ويحصل أفضل مشروعين على مستوى كل محافظة (واحد من كل مسار) على 2000 دولار أمريكي.
يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على موقعه الإلكتروني إنه أطلق برنامج القيادات الشابة عام 2015 من أجل "تمكين الشباب ودعمهم لتصميم وتنفيذ حلول تنمية مبتكرة ومؤثرة ومستدامة - سواء في شكل مؤسسات اجتماعية، أو منظمات غير ربحية، أو منظمات غير حكومية، أو مبادرات، أو حملات". وعلى هذا النحو، يتطلع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن إلى إشراك ورعاية رواد الاعمال الشباب والشباب اليمني ذكور واناثا المنخرط في معالجة أصعب التحديات في عصرنا والذين يساهمون في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ثمانية أعوام من النجاح
بعد ثمانية أعوام من النجاح المقترن بقيام برنامج القيادات الشابة بدعم وتمكين صانعي/صانعات التغيير من الشباب/ الشابات ورياديين/رياديات الاعمال الاجتماعيين/ات في اليمن لتصميم وتنفيذ حلول التنمية المبتكرة والفعالة والمستدامة، ليس من المستغرب أن يرتفع الاهتمام من قبل شباب وشابات اليمن، وتصبح المشاركة في البرنامج حلم لهم.
وفي حين يهدف البرنامج إلى الاستفادة من القدرات والطاقات الشبابية من خلال دفعهم/ن لبناء شبكات قادرة على إحداث تغيير له تأثير إيجابي ومستدام في مجتمعاتهم من أجل التعجيل بتنفيذ الحلول الرائدة للتنمية المستدامة، يتطلع شباب وشابات بدورهم للحصول على ميزات كثيرة من النادر أن يحصلوا عليها من برنامج واحد. يقول جمال عبد الناصر، 25 عام، وهو خريج حديث من كلية الهندسة جامعة تعز: سعيت للمشاركة في هذا البرنامج لأنه غني بالمهارات، ومن خلاله أستطيع أن أطور مشروعا مبتكرا لحصد الحبوب كنت افكر به منذ فترة طويلة، وبإمكانه أن يقدم حل لصغار المزارعين".
وعلى الرغم من أن البرنامج استهدف هذا العام ثلاث محافظات فقط وهي: تعز، عدن، وحضرموت، إلا أنه تلقى طلبات من كل المحافظات اليمنية، وبلغ أجمالي المتقدمين للبرنامج 1889 بواقع 1368 شاب، و521 شابة. وفي حين بلغ اجمالي المتقدمين من المحافظات الثلاث المستهدفة 1690، بواقع 1220 شاب و470 شابة، حظى 72 شاب وشابة من بفرصة المشاركة بواقع 24 شاب وشابة في كل محافظة توزعوا على مسارين بناة المجتمع ورواد الأعمال الاجتماعية.
بخصوص المسار الأول يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "على مدار الوقت، أبدع الشباب اليمني بالابتكارات الشعبية لتعويض الفجوات في توافر الخدمات الأساسية في مجتمعاتهم. وأظهروا أنه يمكنهم القيام بأدوار قيمة كمبدعين/ات صانعي /صانعات للتغيير، وينبغي دعم مساهمتهم والنظر إليها على أنها جزء من بناء المجتمعات".
ويضيف عن المسار الثاني: "يعاني اليمن كمعظم دول المنطقة العربية من أعلى معدل بطالة بين الشباب على مستوى العالم. وتعتبر ريادة الأعمال والابتكار ضروريان لتسخير الإمكانات الاقتصادية من كل أمة كما اقرتها الأمم المتحدة ومع ذلك، لكي تزدهر ريادة الأعمال، هناك حاجة إلى بيئة أعمال مواتية. حيث تتمثل القيمة المضافة للبرنامج في الترويج وإدخال المقاييس الموجهة نحو التأثير على أهداف التنمية المستدامة في الأعمال التجارية، وتعزيز تنمية القطاع الخاص بشكل أكثر استدامة بمرور الوقت".
من أجل "يمن يقوم فيه الشباب والشابات الناشطون وذوي المهارات العالية بدور رائد في جميع مجالات المجتمع" تبذل مؤسسة تنمية القيادات الشابة جهود جبارة من اجل انجاح هذا البرنامج الذي يراهن على شباب وشابات اليمن. وفي حين يمثل الشباب شريحة واسعة في الهرم السكاني اليمني، إلا أن الواقع يقول أنهم لا يلعبون دورا ملحوظا في عملية صناعة القرار، كما أنهم يساهمون بشكل ضئيل في المجال الاقتصادي، لذا تهدف مؤسسة تنمية القيادات الشابة لـ "إطلاق الإمكانيات الكاملة للشباب اليمني ذكورا واناث ليكونوا قادرين على تلبية تطلعاتهم الاجتماعية والاقتصادية للعب دور قيادي في المجتمع".