اسحب

قصص ملهمة

قصة سامية الإستثنائية

قصة سامية الإستثنائية

لا يصل الناس إلى حديقة النجاح دون أن يمروا بمحطات التعب والفشل، وصاحب الإرادة القوية لا يطيل الوقوف فـي هذه المحطات و ما الشابة سامية ذات الثلاثين عاماً إلا مثال حي على ذلك.

 تعيش سامية و طلفها الذي يبلغ من العمر أربعة أعوام في أسرة ليست كباقي الأسر اليمنية ذات الدخل المحدود، فمعظم أفرادها من ذوي الاحتياجات الخاصة إذ ينتمي أخواها الاثنان وزوجتاهما وأطفالهما الثلاثة إلى فئة الصم البكم.

عاشت أسرة سامية أوقاتاً صعبة جداً في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع تكلفة المعيشة بسبب الحرب الطاحنة التي تعصف بالبلاد منذ قرابة الخمس سنوات. تقول سامية "تدهورت أوضاعنا الاقتصادية فبسبب الحرب ارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من الضعف وانعدمت مصادر الدخل، والدي كبير في العمر وغير قادر على العمل و إخوتي الاثنين من ذوي الاحتياجات الخاصة وهما عاطلان عن العمل، وقد وجدت نفسي المعيلة الوحيدة لأسرتي ".

لم يكن لدى سامية المنفصلة عن زوجها أي مؤهل يساعدها على دخول سوق العمل مثلها مثل العديد من النساء اليمنيات اللواتي لم يكملن تعليمهن؛ حيث أكدت دارسة نفذها المنتدى الاقتصادي العالمي أن اليمن من أكثر الدول التي فشلت في توفير فرص تعليم للنساء خصوصاً في مراحل التعليم الأساسية، وأظهرت الدراسة أن 7.6 % من النساء اللواتي تبلغ أعمارهن 25 عاماً يحصلن على التعليم الثانوي فقط، ووصل معدل مشاركة النساء في الأنشطة الاقتصادية في سوق العمل إلى 25% .

هذا الحمل الثقيل الذي ألقي على كاهل سامية، لم يجعلها تخضع أو تستسلم، بل سخَّرت كل قدرتها و مهاراتها في العمل بالأشغال اليدوية (صناعة وبيع الليف)، كما عملت في تنظيف البيوت بمقابل مادي زهيد جداً لم يكن كافياً لتوفير المواد الغذائية الأساسية لأسرتها .

توضح سامية "لقد عانيت كثيراً أثناء عملي في تنظيف البيوت من معاملة الناس، ونظرتهم الدونية واستغلالي بسبب حاجتي للمال ، حيث كنت أقوم بالكثير من الأعمال الشاقة مقابل مبالغ مالية زهيدة جداً، ففي إحدى المرات طلب مني أن أقوم بغسيل نحو عشرين إلى ثلاثين بطانية يدوياً مقابل 2000 ريال فقط".

كانت لدى سامية الرغبة الدائمة في تطوير نفسها ومهاراتها من أجل زيادة فرص حصولها على عمل يضمن لها ولأسرتها العيش الكريم، حيث تقول "طرقت العديد من أبواب المعاهد المهنية للحصول على أي فرصة تدريبية لتطوير قدراتي وامتلاك أي مهنة، لكنني عجزت عن توفير المبالغ المالية التي كانت تطلب مني عند التسجيل ،ولم أستطع أيضاً توفير مبلغ بدل الموصلات للذهاب إلى المعهد يومياً".

في أغسطس 2019 تلقت سامية اتصالاً من صديقتها تنصحها بالتسجيل في برنامج التلمذة المهنية غير النظامية الذي تنفذه مؤسسة تنمية القيادات الشابة بالشراكة مع منظمة العمل الدولي والذي يهدف إلى تدريب وتأهيل الشباب والشابات في مهن ذات طلب عالٍ في سوق العمل.

شعرت سامية بسعادة غامرة عندما علمت أيضاً أن البرنامج سيُقدم كمنحة مجانية للمقبولين ويوفر بدل المواصلات ، وبالفعل سجلت وتم قبولها في البرنامج في مهنة تجميل السيدات . تقول سامية عن تجربتها في البرنامج " برنامج التلمذة المهنية كان نقلة نوعية في حياتي، حولني من إنسانة غير متعلمة تشعر بالنقص و قلة الثقة إلى إنسانة ذات كيان و ثقة كبيرة  والأهم أصبحت من ذوي المهن" .

ساعد برنامج تطوير التلمذة المهنية غير النظامية في تأهيل 320 شاباً و شابة آخرين من ثلاث محافظات يمنية، هي صنعاء وعدن ولحج، وذلك من خلال التدريب في مواقع العمل وباعتماد منهجية التدريب القائم على الكفايات المهنية في صناعة الحلويات وإصلاح الدرجات النارية وصيانة الموبايل و التجميل .

تقول سامية " بفضل التدريب النظري والعملي الذي حصلت عليه في مجال تجميل السيدات أصبحت متمكنة في قص وتصفيف الشعر والتسريحات والمكياج في فترة قصيرة لأنني كنت أمارس ما تعلمته عملياً وبإشراف مدربات لديهن خبرة كبيرة، وهذا ما اكسبني الثقة في قدراتي وأسلوب تعاملي مع متطلبات أي عميلة بكل حرفية واتقان ".

أصبحت لدى سامية الرغبة الجادة في فتح محلها الخاص لتجميل للسيدات في حي الحثيلي الذي تسكن فيه، ولم يكن عدم امتلاكها للمبلغ الكافي لفتح المحل عائقاً أمام تحقيق هذا الحلم، فبعد البرنامج مباشرة شرعت في البحث عن عمل في عدد من محلات التجميل وبالفعل تم التواصل معها من قبل أكثر من محل وبدأت العمل مع عدة محلات بنسبة 30% من الأرباح عن كل عميلة تقوم بتجهيزها.

 استطاعت سامية من خلال العمل توفير لقمة العيش الكريمة لأسرتها، وخلال مدة قصيرة جداً استطاعت جمع مبلغ مالي بمساعدة صديقتها مكنها من استئجار محل وتجهيزه، وأطلقت عليه اسم (كوافير شمس الملوك).

وبصوت تملأه السعادة تقول سامية "بفضل الله و بفضل الفرصة التي حصلت عليها في برنامج التلمذة المهنية تغيرت حياتي إلى الأفضل و فتحت لي أبواب الرزق، أصبحت لدي مهنة ومحل تجميل يدر علي وعلى أسرتي الدخل ويضمن لنا العيش الكريم". تنصح سامية الشباب والشابات بعدم الاستسلام لليأس ودفن أنفسهم بقبول أي عمل لا يحقق طموحاتهم ولا يحفظ كرامتهم، والاستعانة بالله والبحث الدائم عن الفرص التي تطورهم و تمكنهم من الحصول على فرص أفضل.

 مهما كانت الظروف سيئة، أوقاسية أو مأساوية الكـل سيّان، طالما توافرت الإرادة فالبعض مثل سامية  يستخدم هذه الظروف منطلقاً للوصول إلى النجاح.