اسحب

قصص ملهمة

دنيا: مهندسة التغيير في قريتها

دنيا: مهندسة التغيير في قريتها

كلما نظرت دنيا ثابت إلى يديها الملطختين بتراب مزرعتها الصغيرة، شعرت أن هاتين اليدين ترويان قصة حياتها كاملة، كانت أيامها مليئة بالكفاح والدموع، لكنها الآن ترى فيهما رمزًا للصمود والإنجاز. قبل عامين، كانت دنيا، التي تبلغ من العمر خمسة وثلاثون عامًا، تعيش في مديرية المقاطرة، وتضطر للعمل تحت الشمس الحارقة في حقول الآخرين، كانت تجمع المحاصيل لتكسب أجورًا بالكاد تكفي لتأمين إيجار منزلها الصغير وطعام أطفالها الثلاثة، وبعد وفاة زوجها، تعاظمت مسؤوليتها لتصبح هي من يعول أسرتها، تعيش في منزل مستأجر، وتحاول بكل ما أوتيت من قوة ألا تنهار تحت وطأة هذه الأعباء.

تقول دنيا: "لم يكن لدي خيار، كنت أعمل ما في وسعي فقط لأضمن أن أطفالي لا ينامون جياعًا"، لكن حياتها بدأت تأخذ منعطفًا مختلفًا عندما أُتيح لها فرصة غير متوقعة، تم اختيارها لتكون واحدة من المستفيدات من البرنامج المشترك لدعم صمود سبل العيش والأمن الغذائي والتكيف المناخي (ERRYIII)، في عام 2024م لمدة ستة أشهر والذي نفذته مؤسسة تنمية القيادات الشابة بدعم من الاتحاد الأوروبي وحكومة السويد وبالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكان هذا البرنامج، الذي يهدف إلى تعزيز صمود المجتمعات في المناطق الأكثر ضعفًا في اليمن، فرصة لا تُعوَّض لدنيا لطالما حلمت بها، تقول دنيا عن تلك اللحظة: "لم أكن أصدق أن هناك من يهتم بتدريب نساء مثلنا، شعرت أخيرًا أنني أملك فرصة لتغيير حياتي."

خلال التدريبات، تعلمت كيفية تركيب وصيانة الأنظمة الشمسية، بالإضافة إلى مهارات إدارة المشاريع الصغيرة بشكل مستدام، وكانت هذه المعرفة هي البداية الحقيقية للتغيير في حياتها، فقد بدأت ترى أفقًا جديدًا يفتح أمامها. بعد الانتهاء من التدريب، قررت دنيا أن تستغل المساحة الصغيرة التي خلف منزلها المستأجر، والتي لا تزيد عن 15 مترًا مربعًا، لإنشاء مشروعها الخاص، قررت أن تبدأ مزرعة تعتمد على الطاقة الشمسية في ري محاصيلها، بدلاً من استخدام الوقود المكلف، كان مشروعها بمثابة نقلة نوعية، حيث كانت قريتها بعيدة عن الأسواق المركزية، مما جعلها قادرة على تقديم الخضروات الطازجة بأسعار أقل من السوق مثل الباذنجان، والخيار، والكوسا، والبصل، تقول دنيا: "كانت لدي فكرة، ولكن لم أكن لأحققها لولا فوزي بالمنحة المالية من المشروع التي ساعدتني على توفير مصدر دخل لعائلتي وأيضًا دعم أهل قريتي."

ومع مرور الوقت، بدأت النتائج تظهر بوضوح، أصبح مشروع دنيا مصدرًا للفخر، ولم تقتصر على إدارة مزرعتها فحسب، بل أصبحت قدوة للنساء في قريتها، كانت تروي لهن قصتها وتدعمهن في تعلم كيفية استخدام الطاقة الشمسية، تقول: "تدريب مؤسسة تنمية القيادات الشابة منحني بداية جديدة، وفرصة لتحقيق دخل مستدام." ولم تتوقف نجاحات دنيا عند هذا الحد، فقد أصبحت أيضًا تقدم الدعم لجيرانها، خاصة النساء الأرامل اللواتي كن يعانين من صعوبة صيانة الأنظمة الشمسية، وسرعان ما أصبحت "مهندسة الطاقة الشمسية" في قريتها، تصلح الأعطال وتعلم الأخريات كيفية الاعتماد على أنفسهن.

تُلهم دنيا اليوم الكثيرين في قريتها وخارجها، وتمثل القوة الحقيقية التي تقف وراءها شجاعة امرأة تحدت الظروف ورفضت أن تكون ضحية، قصتها ليست مجرد قصة نجاح مادي، بل هي قصة تأثير الفرص في بناء مستقبل أفضل، هي قصة الأمل الذي يضيء الظلام، والكفاح الذي يتحول إلى ثمار يانعة. من خلال البرنامج، تغيرت حياة دنيا بشكل كامل، ولكن الأهم من ذلك هو أن حياتها غيرت حياة العديد من الأشخاص من حولها، أصبحت نموذجًا للنساء اللواتي يرغبن في تحويل الصعوبات إلى فرص، وللرجال الذين يدركون أهمية تمكين المرأة في جميع جوانب الحياة، لم يكن الأمر مجرد تدريب في الطاقة الشمسية، بل كان بداية رحلة طويلة من التغيير الاجتماعي والاقتصادي تبدأ من فرد ثم تمتد لتشمل مجتمعًا كاملاً.

وهكذا، تظل قصة دنيا مثالاً حيًا على أن الأمل ليس فقط في المشاريع الكبرى، بل في كل خطوة صغيرة تُتخذ بإيمان وشجاعة، وفي كل يد تُمد للمساعدة، وفي كل قلب يتحدى الصعاب لتحقيق الحلم.