حب المدينة قد يكون حافزا
لم تختبر الشابة دينا رشيد العيش في مدينة أخرى لفترة زمنية كافية حتى تعرف هل هناك إمكانية أن تحبها بنفس قدر حبها لمدينة عدن، ومع ذلك لا تعتقد أن شيء من هذا القبيل سيكون واردا حتى لو عاشت في اجمل مدن الدنيا. قصة عشق هذه الفتاة التي لا تتذكر كيف بدأ ارتباطها الوثيق بمدينة "عدن" فريدة من نوعها. حتى وأن كان على سبيل الحلم، فهي لا تتمنى أن تعيش في مكان أخر، وعندما يتعلق الأمر بالواقع لا يعنيها أمر أي شيء أكثر من عدن.
دينا التي احتفلت مطلع يناير 2023 بعيد ميلادها الـ23 "انسانة طموحة، مجتهدة، تطمح ان تكون في مكان افضل" أو هكذا تعرف نفسها. والمكان الأفضل بالنسبة لها هي مدينة عدن في أفضل وضع ممكن. عندما وجدت الفرصة لعمل شيء ما فضلت أن تعمل شيء من أجل عدن.
كانت دينا تتصفح الانترنت عندما وجدت اعلانا عن إطلاق برنامج الأمم المتحدة الانمائي، ومؤسسة تنمية القيادات الشابة برنامج القيادات الشابة الثامن، ولم تكن تعرف شيء عن البرنامج، لكن شغفها بمعرفة كل شيء عن الفعاليات الشبابية دفعها لإجراء عملية بحث عبر الانترنت. وجدت الكثير من المعلومات، وعرفت أنه من خلال المشاركة في برنامج القيادات الشابة، تتاح للشباب والشابات الفرصة بان يكونوا جزءًا من شبكة ديناميكية من القادة الشباب /الشابات والمبدعين/المبدعات الذين يرغبون في مساعدة مجتمعاتهم على إعادة البناء بشكل أفضل.
تقول دينا: "اندهشت عندما عرفت أن البرنامج يتيح للشباب المجال للمشاركة في فرص واسعة ليس فقط لتنفيذ أفكارهم من أجل التغيير الاجتماعي، ولكن أيضًا لتطوير مهاراتهم القيادية". وتضيف: "أكثر ما حمسني للتقديم للبرنامج أنه يساعد الشباب والشابات في توسيع معرفتهم/ن بأهداف التنمية المستدامة، وفهم الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والصحة النفسية ودورها في إحداث التغيير الفعال، ويدفهم للعب دورًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة العالمية."
في سبيل سعيه لجعل الحياة أكثر رفاهية وأقل كلفة، أدرك المجتمع الدولي مبكرًا أن عليه احتواء تفاقم المشكلات التي تهدد بأزمات حقيقية وشيكة الحدوث سيعاني منها الإنسان والكوكب، وأن يتصرف بشكل مختلف. وبعد جهود متواصلة جاءت خطة 2030 (أهداف التنمية المستدامة) بمثابة بارقة أمل يمكن المراهنة عليها.
نتيجة لاهتماماتها المسبقة كانت دينا تعرف كل شيء عن أهداف التنمية المستدامة تقريبا، وقد ربت بداخلها اهتماما بقضايا المناخ والتغييرات المناخية منذ مدة، ولم تكن بحاجة أن تتذكر حبها لمدينة عدن عندما قررت أن تشارك في برنامج القيادات الشابة الثامن بمشروع ضمن مسار بناة المجتمع.
بحسب المركز الوطني للمعلومات "لا يعد النشاط الزراعي من الأنشطة الرئيسية الاقتصادية في محافظة عدن وذلك بسبب عدم توفر الظروف البيئية الملائمة"، نتيجة لذلك ليس من الغريب أن اسعار المحاصيل الزراعية هناك تكون مرتفعة في العادة، "وهذا يؤثر على المجتمع" تقول دينا، التي جاءت بفكرة مشروع "الزراعة بالاسفنج" من أجل حل هذه المشكلة.
على مدار الوقت، أبدع الشباب اليمني بالابتكارات لتعويض الفجوات في توافر الخدمات الأساسية في مجتمعاتهم. ودينا ليست استثناء، تقول لكي تشرح كيف فكرت بالمشروع : "عدن ليس فيها اماكن صالحة للزراعة، لذا فكرت في بداية الامر بطريقة لزراعة بعض الخضروات في الشرفات والاسطح والاحواش". كان من الواضح أن دينا تفكر خارج الصندوق، لكنها عندما تعمقت أكثر في الأمر عرفت أن اسطح المنازل هشة ولا تحتمل الزراعة بالتربة، وكان عليها أن تفكر مجددا، وهذا ما فعلت وقد وصلت إلى نتيجة: "بحثت في الانترنت واطلعت على تجارب كثيرة، وتوصلت إلى أنه يمكن استبدال التربة بالاسفنج" تقول.
وعن لماذا الزراعة تحديدا تقول: "أنا أحب الزراعة ودائما ازرع الاشجار في حديقة منزلنا، والاهم بأن هذه الفكرة تستجيب لاحتياج الناس، كما أن العملية غير مكلفة وغير متعبة وستحقق نوعا من الاكتفاء الذاتي". بحثت دينا في الانترنت وأخذت افكار مختلفة ودمجتها مع بعض لكي تكون الطريقة سهلة وقابلة للتطبيق في اليمن. " بحثت عن الاسفنج المخصص للزراعة ووجدت أنها رخيصة" تقول دينا "في الواقع مبلغ ب 20 الف ريال (20 دولار) يكفي لشراء 7 احواض زراعية، في كل حوض 8 إلى 10 قطع اسفنج، وكل قطعة صالحة لزراعة بذرة".
إلى جانب أن استخدام الاسفنج لزراعة المحاصيل سيمثل مصدر دخل للأسر عن طريق بيعه بسعر اقل من السوق فإن المشروع صديق للبيئة حيث سيساعد في التقليل من الغازات المنبعثة وسيعمل على زيادة المساحة الخضراء، وسيقلل من نسبة اهدار المياه.
يخدم مشروع دينا الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة وهو "قضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسنة" بالاضافة إلى الهدف 13 "اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره"، وقد وجدته لجنة التحكيم مشروعا مبتكرا بما فيه الكفاية لترشيحها للمشاركة في فعالية المنتدى الاقليمي لبرنامج القيادات الشابة الثامن الذي عقد في ابو ظبي وكان حدثا استثنائيا كما تحب دينا وصفه.
بعد ثمانية أعوام من النجاح المقترن بقيام برنامج القيادات الشابة بدعم وتمكين صانعي/صانعات التغيير من الشباب/ الشابات ورياديين/رياديات الاعمال الاجتماعيين/ات في اليمن لتصميم وتنفيذ حلول التنمية المبتكرة والفعالة والمستدامة، ليس من المستغرب أن يرتفع الاهتمام من قبل شباب وشابات اليمن، وتصبح المشاركة في البرنامج حلم لهم. تقول دينا رشيد أنها تنصح كل من لديه فكرة مشروع يقدم حل للمجتمع أن يشارك في هذا البرنامج وأن لا يفوت ولو دقيقة واحدة من المخيم التدريبي الغني بالمعرفة ومحفزات النجاح.