هبة والجيل الاخير الذي يمكنه أن يقدم الحلول لإنقاذ اليمن
في سبتمبر/ أيلول من العام 2017 كانت الحرب في اليمن تدخل عامها الرابع، وكانت هبة نعمان الأغبري تودع ربيعها الخامس عشر، ولم يكن قد مر وقت طويل منذ أن أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية النسخة الثالثة من برنامج القيادات الشابة الذي تمنت أن تتاح لها الفرصة يوما ما للمشاركة فيه. منذ بداية الحرب انقطعت هبة وأسرتها عن اقارب لهم يقطنون في عزلة حذران بمديرية التعزية محافظة تعز، وهي منطقة قريبة من خط التماس. ولأن "السنوات الثلاث الماضية كانت قد مرت بصعوبة، وليس هناك مؤشر على أن الحرب قريبة من نهايتها"، أنظمت هبة لعدد من أفراد أسرتها الذين اتخذوا قرارا فيه مخاطرة كبيرة. "قررنا زيارة أقاربنا"، ومن تلك اللحظة بدأت رحلتها كما تقول.
وفي سبتمبر/أيلول 2022، أي بعد خمس سنوات، أطلق برنامج القيادات الشابة نسخته الثامنة. ولا تتذكر هبة التي دخلت للتو العقد الثالث من العمر أنها قد شعرت بسعادة إلى هذا الحد خلال العقد الماضي الذي سيطرت عليه المآسي بسبب الحرب التي تدخل هي أيضا في سبتمبر عامها التاسع. شعرت هبة بسعادة كبيرة، لأن الفرصة التي كانت تتمنى ان تتاح لها أتيحت بالفعل، ذلك أنه تم اختيارها للمشاركة في برنامج القيادات الشابة. ومع أنها ستكون المشاركة الأولى لها إلا أن رحلة هبة مع برنامج القيادات الشابة لم تبدأ من اللحظة التي قدمت فيها طلب المشاركة، ولا من لحظة قبولها، بل من اليوم الذي زارت فيه اقاربها في عام 2017. تحديدا، من اللحظة التي وصلت فيها منزل اقاربها. "عندما وصلت حذران لم أكن خائفة من الاشتباكات، بل مصدومة مما أراه" تقول هبة وهي تشرح كيف أن ما رأته يومها جعل من الزيارة العائلية رحلة نحو المستقبل: "كانت تلك المنطقة قبل الحرب المصدر الأول للحبوب ومياه الشرب نحو مدينة تعز، لكن مع الحرب والظروف التي نعيشها تحولت إلى مكب نفايات، وعندما وجدت الوضع على هذا الحال بدأت أفكر بما يمكنني فعله".
استغلت هبة تواجدها في "حذران" حينها لمعرفة ما حصل وتبعاته على السكان. تقول: "كان الجميع تقريبا يتحدث عن أن ما يحصل كارثة، لذا زرت عدد من الأهالي وسألتهم عن التبعات التي يعانونا منها، ووجدت ان عدد الوفيات بسبب الحميات والربو كان يتزايد وتتفاقم بمرور الوقت" وأضاف: "عندما سألتهم السكان عن المسببات، أتفق أغلبهم أن السبب هو تحويل المنطقة إلى مكب نفايات".
"في البداية كان الأمر مجرد اهتمام بدون رؤية، ولكن مع حس بالمسؤولية"، لذا لم يغادر مشهد تكدس القمامة والوضع المأساوي لسكان منطقة حذران ذاكرة هبة. حس المسؤولية هنا يفسر إلى حد بعيد الحماسة التي ابدتها بمجرد أن عرفت- من خلال الانترنت- أنه يمكن تحويل النفايات إلى طاقة كهربائية، وكيف أصبحت تتبنى قضايا الفئات الضعيفة والمهمشين، ولماذا اعتبرت نفسها معنية بالبحث عن حل جذري للظروف الصعبة التي تعيشها اليمن.
ومع أنها كانت لا تزال طالبة في المدرسة، احتاجت هبة فقط أن تعرف أنه هناك امكانية لعمل حل لكي تذهب مباشرة في تبني فكرة الحل." وجدت أن تنفيذ مشروع لإنتاج طاقة كهربائية كبيرة، نظيفة، خضراء، وصديقة للبيئة عن طريق دفن النفايات في حفر ارضية ممكنا وفقا للامكانيات المتاحة في اليمن" تقول هبة إن هذا كان محفز لها، وتشدد على أنها تعرف أيضا أن تنفيذ هذا المشروع يحتاج لتظافر جهود كبيرة، لذا "عندما اشتركت في برنامج القيادات الشابة الثامن، واتيحت لي الفرصة لتصميم المشروع بشكل منهجي تواصلت مع صندوق النظافة والتحسين لمعرفة ما اذا كان ممكنا ان يساهموا فيه من خلال توفير ارضية في منطقة الضباب من اجل أن نعمل المصنع هناك".
"نحن عايشين في حرب، قطاع الصحة مدمر، الخدمات الأساسية انهارت، والأزمة الإنسانية وصلت حد لا مثيل له. وعندما تكون بدون غاز، بدون كهرباء وبدون حكومة فإن مشروع كهذا بإمكانه حلول كثيرة، لمشكلة الصحة ومشكلة ازمة الكهرباء، وسيساهم في القضاء على الجوع ومحاربة على الفقر لأنه سيوفر فرص عمل للعاطلين. كما سيتم التخفيف من انتشار القمامة عن طريق تحويلها إلى كهرباء". تقول هبة، ثم تضيف: "نحن بدون كهرباء مستدامة منذ 9 سنوات، هذا المشروع سوف يحل مشكلة جذرية نعاني منها بشدة".
مطلع العام 2018 كانت هبة قد كونت تصور اولي عن المشروع وبدأت تبحث عن منظمات أو جهات تكفله وتساهم في عملية تطويره، "أو تمد يد العون وتعمل على تطوير مهاراتي وتطوير شخصيتي" تقول، ثم تضيف: "حينها كنت أسمع عن برنامج القيادات الشابة ولكن لأن البرنامج يستهدف الشباب والشابات بين سن 19 إلى 29 وكان عمري أقل لم يكن هناك أمكانية للاشتراك فيه". ومع ذلك حافظت على فكرتها وعملت على تطويرها، وعندما بلغت الـ 20 عاما قدمت للبرنامج "لأن الاشتراك فيه كان حلما ظل تربى في داخلي منذ سنوات، ولأني أعرف أنه سيعمل على صقل مواهبي وافكاري وطموحي" تقول.
طور برنامج القيادات الشابة الثامن أفكار هبة نحو الأفضل، اكسبها معارف واصدقاء من القيادات الشبابية في مدينة تعز، واستفادت من المخيم التدريبي "أكثر مما كانت تتوقع"، وأشارت إلى دورة التفكير التصميم: "وسعت مداركي، وجعلتني أطور الفكرة وأعيدها صياغتها بشكل منهجي، بالإضافة إلى أنها دفعتني للبحث عن المواد وتحديد الاطراف المعنية".
"بعد البرنامج ارى نفسي فوق" تقول هبة إنها مؤمنة أن مجرد حصولها على شهادة البرنامج سوف يجعلها في موقف أقوى، وسيفتح لها ابواب لم تكن لتفتح. ومع أنها لا تتوقع أن الحرب في اليمن ستتوقف قريبا، إلا أن لديها خطة واضحة بشأن المستقبل: هدفي اطلاق مبادرة للمبدعين والمبدعات من القيادات الشبابية في محافظة تعز، وأن التحق بالأعمال التطوعية والمبادرات الشبابية والاجتماعية التي تساهم في نهضة المجتمع، والحصول على الرخصة الدولية في قيادة الحاسوب والبحث عن شركاء لتنفيذ مشروع تحويل النفايات إلى طاقة"، كما لم تنسى الإشارة إلى أن التخرج من الجامعة بتفوق ودراسة الماجستير لهما الأولوية.
هبة الاغبري 20 عام طالبة في السنة الثانية بكلية الهندسة وتقنية المعلومات بجامعة تعز تخصص ميكاترونيكس. "مثل أي شاب وشابة بهذه المرحلة العمرية" لديها القدر الكافي من الطموح الذي يجعلها تساهم في احداث نقلة نوعية في المجتمع. "وبسبب ما تمر به اليمن من حروب وازمات اقتصادية اجتماعية، صحية" ترى أن جيلها لا يختلف عن الأجيال السابقة عندما يتعلق الأمر بالمعاناة جراء عدم استقرار الوضع في اليمن، لكنها تؤمن أن جيلها هو الجيل الاخير الذي يمكنه أن يقدم الحلول وينقذ بلادها.