ما هي الفكرة التي تركت الشابة إيثار فارع حفل تخرجها لأجلها؟
أعلن برنامج القيادات الشابة التابع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في المنطقة العربية، فوزَ الشابة اليمنية إيثار فارع بجائزة النسخة السابعة من المنتدى الإقليمي للشباب المبتكرين عن مشروعها الابتكاري YE-Vermi لتحويل النفايات إلى سماد عضوي، كأحد أفضل ثلاثة مشاريع شبابية عربية.
وقالت مؤسسة تنمية القيادات الشابة، الشريك المنفذ للبرنامج في اليمن، في بلاغ مقتضب: "للعام الثاني على التوالي، تفوز اليمن في المنتدى الإقليمي لبرنامج القيادات الشابة للمشاريع الابتكارية، وهذه المرة شرفتنا الشابة إيثار فارع بمشروع طموح حاز على إعجاب الجميع يسعى لتحويل النفايات إلى سماد عضوي". وأضافت: "نراهن دومًا على الشباب والشابات، ويثبتون لنا في كل مرة أنهم قادرون على إحداث الفارق".
هناك ما هو أكثر أهمية..
واحد من أكثر المشاهد المزعجة شاهدتها الشابة إيثار فارع، بشكل شبه يومي في السنوات الأخيرة، يقع على طول الطريق الممتد بين منزل أسرتها وجامعة عدن حيث تدرس. هناك كما في أغلب شوارع المدن اليمنية تتكدس أكوام القمامة وتتمدد باستمرار مشكلة تحدٍّ حقيقي، ولكن المختلف في أكوام النفايات على تلك الطريق أنها كانت السبب وراء دفع شابة لترك حفل تخرجها من أجل فكرة وجدتها واعدة ومن الممكن أن تقدم حلًّا مختلفًا.
بعد أربع سنوات من المثابرة، لم تكن إيثار فارع تنتظر شيئًا كحفل تخرجها من الجامعة، وبالنسبة لفتاة متفوقة أجّلت كل أفراحها إلى اليوم الذي ستكرم فيه بتفوقها في أهم مرحلة من حياتها، كان تغيبها عن الحفل مستغربًا، لكن ليس لمن يعرفها، فقبل ذلك اليوم كانت قد أخذت منعطفًا جديدًا عندما اشتركت في برنامج القيادات الشابة السابع بفكرة مشروع يقدم حلًّا مبتكرًا لتلك المشاهد التي أزعجتها طويلًا، وشعرت أنه من مسؤوليتها كفرد في المجتمع أن تساهم في إيجاد حل لها.
فوّتت إيثار حفل تخرجها، ولم تفوِّت فرصة عمل "شيء يستحق"، وإذا كانت تستحق نوعًا من الإشادة، فليس هناك أجمل مما حصل معها بالفعل. بعد أشهر من حفل التخرج الذي فوتته نتيجة اشتراكها في مخيم تدريبي مكثف ينظمه برنامج القيادات الشابة، ولانشغالها بتطوير فكرة مشروع طموح تسعى من خلاله إلى تحويل النفايات إلى سماد عضوي، أعلن البرنامج فوزها بجائزة المنتدى الإقليمي للشباب المبتكرين.
"أستطيع القول بأني لست نادمة لأني قررت تفويت حفل تخرجي بعد اجتهادي لأربع سنوات وحصولي على المركز الأول من أجل حضور البرنامج والتركيز عليه"، تقول إيثار. وتضيف: "لقد كان حصولي على أحد المراكز الثلاثة الأولى في المنافسة الإقليمية يستحق".
وعن مشاركتها وفوزها تقول إيثار: "كنت سعيدة وفخورة، فمشاركتي بالمنافسة الإقليمية، التي يشارك بها عدد كبير من المبدعين والمبتكرين الشباب في الإقليم العربي، وتمثيلي لليمن من بين 15 دولة، وفوزي بالمسابقة رغم إمكانياتي المحدودة كان شيئًا مذهلًا، وعنى لي الكثير". أما فكرة مشروع تحويل النفايات إلى سماد، فلا تقدم حلًّا مختلفًا وحسب، بل "هي فكرة قابلة للتطبيق مع إمكانية التوسع وقادرة على إحداث تغيير إيجابي"، بحسب رأيها.
شباب مبتكر وحلول فعالة
مهما تكن حجم التحديات التي تصادفها المجتمعات أو الدول، هناك دائمًا ما يمكن عمله لتغيير الموقف. ومن مجتمع إلى آخر ثمة قصة أو حدث يؤكد ذلك، أو هذا ما يقوله فوز الشابة إيثار فارع في مسابقة أهم منتدى شبابي تنموي عربي بفكرة مشروع طموح يسعى للاستفادة من النفايات كسماد عضوي.
عندما اجتمع ما يقارب 400 شاب وشابة من اليمن في مخيم تدريبي افتراضي مطلع سبتمبر 2021، كان الصراع المستمر منذ سبع سنوات قد ألقى بالبلاد في متاهة أكبر أزمة إنسانية من صنع البشر في العالم، وبعد شهرين كان هناك ما يقارب 400 خطة عمل طموحة لمشاريع شبابية مبتكرة تحاول تقديم حل للمشكلات، قديمة وجديدة.
بعد مخيم تدريبي، أقيم افتراضيًّا ونفذه نخبة من أفضل المدربين على مستوى اليمن، وجلسات إرشادية للشباب قدمها مختصون من اليمن ودول أخرى تحت إشراف مؤسسة تنمية القيادات الشابة، تحولت أفكار الشباب والشابات المشاركين في البرنامج إلى مشاريع قابلة للتنفيذ في أي وقت، إذا توفر التمويل اللازم.
هدف البرنامج منذ البداية لتشجيع الشباب والشابات لإيجاد حلول مبتكرة للمشكلات التي يعاني منها المجتمع ضمن مسارين "بناة المجتمع" و"رواد الأعمال"، وفي سبيل تشجيعهم أقيمت فعالية تحكيم محلي لتقييم المشاريع. تم تشكيل لجنتي تحكيم نظرت فيما يقارب 400 مشروع، وبعد التقييم فازت ثلاثة مشاريع من كل مسار بجوائز بقيمة 12 ألف دولار، وتأهلت إلى جانب أربعة مشاريع أخرى (اثنين من كل مسار) للمشاركة في المنتدى الإقليمي.
كان أغلب الشباب والشابات المشاركين في البرنامج على مستوى اليمن، من مناطق تشهد صراعًا أو متأثرة بشكل مباشر من الصراع الحالي والحالة الإنسانية المتفاقمة. وإلى جانب الحالة الأمنية غير المستقرة في عدن أثناء سير البرنامج، تضررت عدد من المحافظات نتيجة لآثار التغيرات المناخية، حيث شهدت محافظة تعز أمطارًا غزيرة وسيولًا جارفة، فيما ضرب إعصار شاهين محافظتي حضرموت والمهرة. خلقت هذه الأوضاع تحديات إضافية واجهها الشباب والشابات المشاركون في البرنامج، تسببت في انقطاع عدد كبير منهم عن التدريبات؛ بعضهم لمدة يوم، والبعض الآخر لمدة يومين، ومع ذلك عادوا وواصلوا.
وفي الفعالية الإقليمية واصل شباب وشابات اليمن تقديم نموذجٍ مشرف على مستوى الوطن العربي. العام المنصرم فازت مشاريع ثلاثةِ شبابٍ من اليمن في المنتدى، كان بينها مشروع محمود الأشول الذي حاز المركز الأول، فيما جاء فوز إيثار فارع هذا العام ليعيد التأكيد بأن شباب وشابات اليمن لا يزال لديهم الكثير ليقولوه ويعملوه.
برنامج القيادات الشابة
في سبيل سعيه لجعل الحياة أكثر رفاهية وأقل كلفة، أدرك المجتمع الدولي مبكرًا أن عليه احتواء تفاقم المشكلات التي تهدد بأزمات حقيقية وشيكة الحدوث سيعاني منها الإنسان والكوكب، وأن يتصرف بشكل مختلف. وبعد جهود متواصلة جاءت خطة 2030 بمثابة بارقة أمل يمكن المراهنة عليها.
ومن وقت مبكر، كان المجتمع الدولي يعرف أن مجرد التوصل إلى "الخطة" ليس كافيًا ليكون تصرفًا مختلفًا، وأن الخطة ليست إلا حجر الأساس الذي سيقوم عليه مشروع "عالم أفضل" الطَّموح، وشكّل، مجرد إدراكه للحاجة لبذل جهود مضاعفة واستيعاب الجميع في رحلة البحث عن الحلول، مدخلًا كافيًا للقيام بذلك التصرف.
في 2015، ظهرت "أهداف التنمية المستدامة" أو ما يسمى بـ(خطة 2030) للعلن، ومن البداية كان واضحًا أن البحث عن الحلول المبتكرة في العقول الشباب كان توجهًا جادًّا لهذه الخطة. ورغم التحديات الصعبة كانت المؤشرات مبشّرة، إذ صممت وكالات الأمم المتحدة برامج مختلفة تهدف لإشراك الشباب في معالجة التحديات.
على مستوى الوطن العربي، شكل برنامج القيادات الشابة الذي أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي رافعة لصوت أفكار الشباب، وبالشراكة مع منظمات مجتمع مدني محلية اقترب من المجتمعات المحلية وأتاح الفرصة لشبابها للتفكير بمشاكله ومحاولة المساهمة في تقديم حلول لها، أو أفكار بالحلول على الأقل.
انطلقت النسخة السابعة من برنامج القيادات الشابة في سبتمبر 2021، تحت عنوان (إحداث التغيير من الداخل إلى الخارج)، ولأن البرنامج يبحث عمّن لديه حلٌّ مبتكر لمعالجة أيٍّ من التحديات الاجتماعية، ويشجع من يريد تصميم وتنفيذ مشاريع تساعد مجتمعه المحلي، وجه بالشراكة مع مؤسسة تنمية القيادات الشابة الدعوة للشباب والشابات اليمنيين للتقديم ضمن مسارين (بناة المجتمع) و(ريادة الأعمال).
ركز البرنامج هذه المرة على الرّفَه الاقتصادي والاجتماعي لصانعي/ صانعات التغيير، والرياديين/ الرياديات الاجتماعيين من الشباب/ الشابات، وكيف يمكن أن تكون معالجة صحتهم النفسية جزءًا من إيجاد حلول لتحديات مجتمعاتهم.
وعلى الرغم من أن اليمن تشهد منذ سنوات واحدة من أسوأ الأزمات حول العالم، أثرت على جميع نواحي الحياة، ومنها قطاع الخدمات مثل الكهرباء والإنترنت، وأن البرنامج يقدم تدريباته افتراضيًّا للعام الثاني على التوالي استجابة للظروف التي فرضت بسبب تفشي وباء كورونا (كوفيد-19) إلا أن أكثر من 200 شاب وشابة من تسع محافظات يمنية هي (عدن، شبوة، حضرموت، لحج، أبين، الضالع، المهرة، تعز، سقطرى) حظوا بفرصة للمشاركة.
عكَس الوعي العالي والالتزام الجاد اللذان أظهرهما شباب وشابات اليمن خلال البرنامج رغبتهم الحقيقية في معالجة أصعب التحديات في عصرنا والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وعامًا بعد عام شكلت تفاصيل مختلفة قصصًا فريدة جعلت الإيمان بالشباب والشابات يزداد، وتزداد المراهنة على قدرتهم في تصميم وتنفيذ حلول تنمية مبتكرة، مؤثرة ومستدامة؛ لذا زادت أيضًا الجهود الرامية لتمكينهم ودعمهم.