اسحب

قصص ملهمة

برنامج "التلمذة المهنية" ينقذ "غازي" من وحل البطالة

بصعوبةٍ بالغة اقترنت بالعزيمةِ والمثابرة، استطاع غازي جابر (21 سنة)، أحد شباب مديرية باجل بمحافظة الحديدة (غربي اليمن)، اجتياز مرحلة التعليم الثانوي، ليتخرج بعدها إلى عالم مليء بالتحديات الحياتية التي فرضتها الحرب على اليمنيين منذ نحو ثماني سنوات، "لم يكن أمامي خيارٌ آخر؛ ظروفي الاستثنائية والحالة المادية التي يعيشها المواطنين في سهول تهامة، دفعتني للعمل أثناء دراستي، وبعد تخرجي من الثانوية العامة" يقول غازي.

لم يترك غازي مجالاً إلا عمل به؛ في الأسواق، والمزارع، والمحال التجارية.. كان ذلك بهدف اكتساب خبرةٍ أو حرفةٍ يستطيع من خلالها الكسب وإعالة أسرته المكونة من 7 أفراد. يقول غازي: "منذ وفاة والدي كنت أنا كبير العائلة؛ مسؤولية كبيرة أُلقيت على عاتقي منذ أن كُنت في الحادية عشرة من عمري، لم أترك عملاً إلا واشتغلت فيه، وبعد تخرجي من الثانوية مباشرة، عملت أكثر من عام ونصف مساعدًا لمهندس كهرباء في ريف مديرية باجل، كان المبلغ الذي اتقاضاه مقابل عملي، لا يكفي لشراء طعام يومًا واحد لأفراد أسرتي في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، لكن شغفي بهذا العمل كان العزاء الذي يصبرني على كل ذلك، كانت تمر أيام لا نعمل فيها أنا والمهندس، وتمضي أسابيع أيضًا ونحن عاطلون عن العمل، وقتها كنت وأسرتي نمر بأسوأ الظروف".

يستدرك: "نصحني أحد الأصدقاء بالتسجيل في برنامج التلمذة المهنية، كتجربة وبقليل من الحظ، قدَّمت لهذا التدريب الذي لم أكن أتوقع قبولي فيه، حيث أنني لا أمتلك أي مؤهلات غير الشهادة الثانوية، لكن بتوفيق من الله تم قبولي. لا أخفي عليك أنني تفاجأت بخبر القبول، وكنت سعيد جدًا حينها، شعرت أن أبوابًا كثيرةً ستُفتح بعد هذا التدريب".

ما توقعه غازي حدث بالفعل، حيث إن آفاقًا جديدة فُتحت أمامه، بعد حوالي شهرين من التدريب المهني المكثف الذي خاضه برفقة 390 شابًا من محافظتي الحديدة وحجة  في خلال الفترة ديسمبر 2021 الى يناير 2022، ضمن مشروع "التلمذة المهنية" التي تنفذه مؤسسة تنمية القيادات الشابة بدعم من منظمة العمل الدولية، والذي يهدف إلى تدريب وتأهيل الشباب والشابات في مهن ذات طلب عالٍ في سوق العمل.


ففي ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في معظم المحافظات اليمنية منذ سبع سنوات، أتجه اليمنيون إلى استخدام الطاقة الشمسية لتوليد التيار الكهربائي والاستفادة منها، خصوصًا المناطق الريفية التي لم يصل إليها التيار الكهربائي الحكومي حتى الآن، الأمر الذي خلق فرصة عمل لفئة متوسطة من الشباب مثل غازي، الذي يعمل حاليًا في تمديد وتركيب وصيانة المنظومات الشمسية، وذلك بعد التدريب المُكثف الذي تلقاه ضمن مشروع التلمذة المهنية. 

 يقول:" الآن أصبحت أعمل في تركيب المنظومات الشمسية المنزلية والزراعية في أغلب مناطق مديرية باجل، التدريب وحقيبة الأدوات التي زودتني بها مؤسسة تنمية القيادات الشابة ساعدني كثيرًا في عملي. من قبل كنا نقوم بتركيب المنظومات الشمسية بطرق بدائية وعشوائية، لكنني الآن أصبحت أعمل ذلك بطرق علمية ومنظمة".

وبثقةٍ وحماس، يصف غازي تجربته بعد التدريب ضمن مشروع التلمذة المهنية، قائلا"الآن أستطيع القول فعلًا إن أبوابًا كثيرة فُتحت أمامي في سوق العمل كمهندس منظومات الطاقة الشمسية، وتحسَّن عملي وأدائي وكذلك دخلي المادي، وبفضل الله أولاً ثم ببرنامج التلمذة المهنية ومؤسسة تنمية القيادات الشبابية ثانيًا، أتمنى أن يستمر هذا المشروع كي يستفيد شباب آخرون كما استفدت أنا وبقية الزملاء".

ويأتي مشروع التلمذة المهنية ضمن إطار النهج الإستراتيجي الذي تعمل عليه مؤسسة تنمية القيادات الشابة، حيث يأتي هذه المرة بنسخته الخامسة، استفاد منه حوالي 400 شابة وشاب، من خلال تدريبات مهنية مكثفة. 


تقول كافية العفيف، مدير مشروع التلمذة المهنية، إن المشروع يهدف إلى تمكين الشباب وإكسابهم مهارات وخبرات تجعلهم مؤهلين للخروج إلى سوق العمل، مؤكدة على أهمية المشروع، "لأنه يُستهدف فئات مستفيدة مُحتاجة، ولا يشترط فيها مستوى تعليمي معين، حيث إنه يشمل عدة فئات من الشاب من ضمنها الأميين والأشخاص الذين لم يكملوا تعليمهم، ويُعد فرصة حقيقية لخلق استدامة مالية للشباب والأسر الفقيرة حتى في المجتمعات الريفية".

الجدير بالذكر أن مشروع التلمذة المهنية، درَّب وأهَّل أكثر من 1500 شابة وشاب من مختلف محافظات الجمهورية في عدد من المهن، وزودهم بمهارات مهنية استطاعوا من خلالها العمل وإنشاء مشاريع صغيرة تضمن لهم ولأسرهم دخلًا ماديًا مستدامًا، وذلك في سياق رؤية مؤسسة تنمية القيادات الشابة التي تسعى إلى التمكين الاقتصادي، وزيادة قدرات الشباب والشابات على مواكبة احتياجات سوق العمل، من خلال توفير مناهج تدريبية حديثة ومنهجيات عملية ومبتكرة في التدريب على رأس العمل والتلمذة الصناعية والإرشاد. 

من جهته يرى الناشط المجتمعي، أنور راجح، أن ما تقوم به مؤسسة تنمية القيادات الشابة، يعد نموذجًا مشرفًا يجب أن تسير مؤسسات المجتمع المدني الأخرى على ذات الخطى، وذلك من خلال برامج التمكين الاقتصادي وتأهيل الشباب والأسر، وجعلهم أفرادًا منتجين. 

وبحسب راجح، فإن "معظم المؤسسات ومنظمات مجتمع المدني المحلية والدولية، تكتفي فقط بتوزيع المساعدات، وهذا أمر سلبي _حتى وإن لم يكن مقصودًا_ لأنه على المدى البعيد، يجعل من أفراد المجتمع أشخاصًا مُتَلقِّين فقط، ينتظرون موعد صرف هذه المساعدات، وذلك ربما يكون سببًا من أسباب ارتفاع البطالة"، حد قوله. 

أما غازي، فلا يجد بُدًا من توجيه نصيحة لأقرانه الشباب ألّا يستسلموا للظروف والواقع المحبط، والتعامل معه على أنه نقطة النهاية، منوهًا إلى حقيقةٍ فحواها: "لا تسعى وراء لقمة العيش وتنسى نفسك، حاول أن تطور من مهاراتك وقدراتك، لأنك ستبقى في مكانك تدور في حلقات مُفرغة إذ لم تتطور، فالفرص موجودة لمن يبحث عنها".