"حمام طيني" فكرة "محمود" الحالمة التي تحولت إلى مشروع طموح
"من المستحيل أن لا يكون هناك طريقة ما لتقديم المساعدة"، لأكثر من ثلاث سنوات ظل محمود الأشول (27سنة) يردد على نفسه هذه الكلمات بشكل شبه مستمر. بذل جهدا وهو يحاول الوصول الى طريقة ما تجعله يساعد في حل واحدة من المشكلات المزمنة بالنسبة لسكان مديرية الزهرة في محافظة الحديدة. وعندما توصل الى فكرة فازت بالمركز الاول في المنتدى الاقليمي لبرنامج القيادات الشابة الذي ينظمه برنامج الأمم المتحدة الانمائي UNDP في الدول العربية.
تقع مديرية الزهرة على امتداد قنوات وادي مور المائية التي يبلغ طولها أكثر من 9 كيلو مترات، والتي تعتبر "اكبر بؤرة لتوالد البعوض" بحسب بحسب البرنامج الوطني لمكافحة ودحر الملاريا في منطقة الجرداء الذي تحدث إليه الأشول عندما بدأ مساعيه للبحث عن حل لمشكلة انتقال الأمراض والأوبئة المتعلقة بالمياه والصرف الصحية من قبيل حمى الضنك والملاريا والكوليرا التي يصاب بها عدد كبير من سكان المديرية وتحصد عشرات الأرواح سنويا.
ولأن البداية المثالية تقتضي تشخيص مثالي للمشكلة كان على محمود أن ينظر عميقا وراء عدد من الفرضيات اعتقد ان السبب يقف خلفها، حتى لاحظ ان اغلب الاسر في مديرية الزهرة، كما في الكثير من المناطق التهامية، ليس لديها حمامات في منازلها، ما يجعل التغوط في العراء أمر شائع. "وهذا أمر من البديهي أنه قد يكون سبب رئيسي للأزمة المتفاقمة وخاصة إذا تداخل مع أسباب أخرى مثل اختلاطه مع مياه الأمطار ومجرى النهر" يقول محمود الذي وجد أن تحسين الوصول لمياه الشرب النظيفة والصرف الصحي الآمن والنظافة أمرا يستطيع معه القول أنه قد قام بشيء ما، إن هو قام به فعلا.
وفي يوليو 2020، تحت عنوان "عقد من العمل"، أعلنت مؤسسة تنمية القيادات الشابة بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن اطلاق برنامج القيادات الشابة السادس، الذي يستهدف شباب لديهم حلول مبتكرة لمعالجة أي من التحديات التي يعاني منها المجتمع، ويشجع من يريد تصميم وتنفيذ مشاريع تساعد مجتمعه المحلي. يومها كان محمود قد توصل- بعد بحث طويل- لعدد من الأفكار التي وجد أنها قد تساعد في حل تلك المشكلة المزمنة، وعلى الرغم من أنه لم يكن واثق بشكل كافي من جودة الأفكار التي توصل لها، الا انه قرر أن يمضي قدما.
طلب الاشتراك في البرنامج بعد أن صادف إعلان الدعوة للمشاركة في موقع على الانترنت، وبعد مراجعة طلبه تم قبوله. وقد احتوى البرنامج مخيمات ابتكار (عن طريق جلسات اونلاين) لبناء قدرات 70 شاب وشابة في عدة مواضيع منها النوع الاجتماعي، السلام و الأمن، ريادة الأعمال الاجتماعية، القيادة، تعليم الأقران، تغير المناخ، الاتصال، الوعي الذاتي، الذكاء العاطفي ومقدمة في التفكير التصميمي. "وهذا بالتحديد ما كان ينقصني" يقول محمود مرجعا الفضل الى البرنامج في جعله قادرا على تنقيح افكاره وتطوير فكرة ابداعية يستطيع عرضها بثقة أمام لجنة تحكيم مختصة.
"حمام طيني" هذه هي الفكرة التي فازت بالمركز الأول في مسابقة أهم منتدى شبابي تنموي عربي، وهذا ايضا ما قاله محمود لمجموعة من الشباب كان يعمل معهم بشكل تطوعي على ردم المستنقعات المائية الراكدة في محاولة للقضاء على مناطق تكاثر البعوض في مديرية الزاهر. "نعم حمام طيني قد يشكل حل عملي ومقبول لهذه المشكلة" أضاف. لكن لماذا الحمام الطيني وليس سواه؟ سُئل محمود، فأجاب: " لانه حل فعال وغير مكلف، خلال استطلاعي للمنطقة وجدت ان الكثير من اشجار الخيزران و السيسبان تنبت هنا، وهذه أشجار من المعروف أن استعاضة البيئة لها سريعة، فخطر ببالي انها مثالية لصنع النوافذ والأبواب بدون اي تكلفة، وهذا سيوفر الكثير".
عندما طُرحت الفكرة على بعض اهالي المنطقة، وجدوا أنها "عملية" فأخبروا الأشول أن أسقف الحمامات يمكن عملها من أوراق الموز واسعف النخيل التي يمكنهم توفيرها من مزارعهم بدون اي مقابل. "أوراق الموز و سعف النخيل كانت ايضا فكرة مناسبة، جعلتني أشعر بحماسة أكبر" يقول محمود، ويضيف: "ثم خطرت ببالي فكرة اخرى، وهي ان الجدران يمكن بناؤها من الطين المخلوط بالقش فهذا الطابع في البناء معروف هنا، وبعض سكان المنطقة يبنون مساكنهم بهذه الطريقة".
محمود حاصل على شهادة جامعية في الهندسة المدنية، لذا كان من السهل عليه معرفة أن فكرته هذه ستوفر ما يصل الى أكثر من 60% من التكاليف: "لن نحتاج سوى مرحاض ومواسير" يقول. وعلى الرغم من أن الفكرة كانت موجودة قبل اشتراكه في البرنامج، وإن لم تكن كما اصبحت بعد ذلك، الا ان محمود بنفسه يرى أن إمكانية تطويرها وتنفذها لم تكن واعدة كما أصبحت عليه بعد مشاركته في البرنامج.
"كنت متقوقع حول نفسي لكن هذا البرنامج ساعدني كثيرا، عرفت التفكير التصميمي، وريادة الأعمال من اجل التنمية، وكيف ابني علاقات بذكائي العاطفي، والأهم كيف أعد خطة مشروع مستدام" يقول محمود. ويضيف: "والان توسعت وبدأت التشبيك مع اكثر من جهة سوا داخل اليمن او خارجه".
مطلع العام الحالي 2021 بدأ محمود بتأسيس مبادرة "في ناس" تسعى إلى تحقيق التنمية المحلية المستدامة في المجتمعات المستفيدة، من خلال حث الناس على اكتشاف مواردهم وطاقاتهم الكامنة وإطلاقها لتحقيق التغيير المنشود لتصبح مجتمعات فعالة تحقق التنمية المستدامة، وسيكون أول نشاط للمبادرة هو بناء حمامات طينية مناسبة للمكان و مختلف الظروف الاقتصادية المحلية. الفكرة إذا أصبحت مشروع وأمل تنتظر الآف الاسر في مديرية الزهرة اكتماله، وحلم تتمنى الآف الأسر الأخرى في تهامة أن لا يتوقف وأن يتمدد ليشمل مناطق سكنها.