نوال شابة وقفت مجددا
كان العالم ينكمش على نفسه مغلقاً الأبواب والنوافذ بإحكام لمواجهة "جائحة العصر"، عندما حصلت نوال ضيف الله على فرصتها للوقوف. وكشابة في 34 من عمرها تعيل أسرة من 7 افراد، وتعمل مدرسة بأجر لا يكفيها لتوفير أدنى متطلبات الحياة، كانت هذه الفرصة هي كل ما تريده، وكل ما راهنت عليه.
في يونيو 2020، كان القلق والترقب قد بلغ ذروته، وبشكل شبه كامل توقف العالم كله لمواجهة فيروس كورونا المستجد المستمر منذ اشهر بحصد الارواح او تهديدها. في تلك الفترة العصيبة كانت مؤسسة تنمية القيادات الشابة تنفذ أحد أهم مشاريعها.
أما بالنسبة لنوال فكانت قد وصلت مرحلة لم تكن تتخيل أنها ستصل اليها من قبل: "أقفلت الحياة أبوابها وأحدا تلو الأخر أمامي، ثم جاء فايروس كورونا ولكم أن تتخيلوا ما الذي شعرت به" تقول بنبرة صوت بدى وكأنه قادم من تلك الأيام الحالكة.
جاء كورونا واليمن في وضع لا تحسد عليه. حيث كان الصراع الدائر في البلد منذ 5 سنوات قد دفع أكثر من 78% من الأسر إلى وضع اقتصادي أسوأ مقارنة بفترة ما قبل اندلاعه. فمع نشوب الصراع توقف صرف الرواتب الحكومية وباستمراره بدأت أسر أكثر تفقد دخلها ليصل عددها الى اكثر من 8 مليون. وصنفت الازمة الإنسانية المتفاقمة بالأسوأ في تاريخ البشرية.
"بدون مشروع المساعدات الغذائية وسبل العيش المنقذة للحياة في حالات الطوارئ لا يبدو بأنني كنت سأفعلها"، تقول نوال التي كانت تتحدث وكأنها لا تتذكر من مشاعرها سوى الخوف. أما المشروع الذي نفذته مؤسسة تنمية القيادات الشابة بدعم من منظمة DKH الالمانية فقد كان يهدف إلى زيادة فرص الحصول على الغذاء للأسر شديدة الضعف في مديريتين في أمانة العاصمة.
تقدم DKH المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء العالم. وتدعم الأشخاص ضحايا الكوارث الطبيعية والحرب والنزوح الذين لا يستطيعون التعامل بمفردهم في حالة الطوارئ التي يجدون أنفسهم فيها. على موقعها الالكتروني تقول DKH إنها تقدم "جهد لمساعدة الأشخاص المحتاجين بشدة - في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن لونهم والدين والجنسية".
عمل المشروع في ذروة انتشار جائحة كورونا مستهدفا 400 أسرة، وبهدف أن تتمتع بالإنصاف والمساواة في الوصول إلى الاستجابة الإنسانية المنقذة للحياة، وكلها من الأسر المعرضة للخطر بشدة والنازحة حديثًا والمضيفة ذات الأولوية العالية، وعدد افراد هذه الأسر 2800 شخص (545 رجل ، 571 امرأة، 823 طفل، 857 فتاة).
وفي تلك الفترة العصيبة كان الطلب على مستلزمات الوقاية من كورونا مرتفعا والأسواق شبه خالية، ولأن لنوال خبرة سابقة في صنع المنظفات قررت أن تغامر. من داخل منزلها الضيق وبامكانيات متواضعة عملت بشكل متقطع على صنع مواد تنظيف وبيعها، الإ أنها كانت في وضع لم يسمح لطموحاتها الذهاب بعيدا. "حاولت استثمار قدرتي على صناعة المنظمات بمشروع تجاري، ولكن كانت المعوقات كثيرة لا أستطيع تجاوزها حتى في أحلامي" تقول.
لم تكن نوال في وضع يسمح لها توفير مكان تبدأ منه نشاطها، وعلى الرغم من أن صعوبة توفير الاموال اللازمة لبدء مشروع تجاري صغير كان التحدي الأبرز أمامها، الإ أن عدم قدرتها على إنتاج وإدارة كميات كبيرة كان أيضا تحدي لم تتوقع ان باستطاعتها التغلب عليه، حتى وإن استطاعت توفير المال.
"كانت أمنيتي تخطي العقبة الأولى والحصول على دعم مالي، ولكن مصادفة سعيدة جعلتني أحقق حلمي كله" تقول نوال متحدثة عن مشروع المساعدات الغذائية وسبل العيش المنقذة للحياة في حالات الطوارئ الذي عرفت به من إعلان أنتشر على تطبيق التواصل الاجتماعي واتساب. وتضيف "منذ تلك اللحظة عقدت العزم أن اكون إحدى المستهدفات فيه".
وكان المشروع يتضمن انشطة مختلفة منها: توزيع مساعدات غذائية ومستلزمات صحية ومستلزمات نظافة للوقاية من فايروس كورونا على الأسر المستهدفة وعلى مراكز طبية في المناطق المستهدفة، دعم 12 شركة متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر من اجل أن تكون قادرة على زيادة / إعادة إنتاج الصابون و/ أو معدات الحماية الشخصية، وتقديم دعم فني ومالي لـ 12 أسرة لتنمية مشاريع تجارية متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة تعمل في أنتاج المستلزمات الضرورية للوقاية من كورونا.
تواصلت نوال مع فريق المشروع الذي وجد أنها مستحقة لتكون إحدى الأسر المستفيدة منه، وهكذا لم تحصل على الدعم المادي فقط، بل تلقت تدريبات في إعداد الخطة الفنية والمالية للمشاريع ودعم فني في كيفية صنع المنظفات بما يتناسب مع المعايير والمقاييس المعتمدة. كما أتيحت لها الفرصة لمعرفة كيفية التقديم والتخطيط للمناقصات. وبهذا عرفت كيف تخطو خطوت علمية وعملية نحو تأسيس مشروعها بجودة ووفق خطة. "وأيضا ترتبت جميع أموري وعرفت ماهي المناقصة وكيف أدخلها" تقول نوال التي تدير اليوم مشروعها التجاري تحت إسم "البتول للمنظفات" تلك الشركة الصغيرة التي تنمو يوما بعد آخر وصارت تزود السوق المحلية في صنعاء بمنتجات تنظيف مختلفة.
نوال حاصلة على شهادة جامعية بكلوريوس تربية، وتعمل اخصائية اجتماعية في أحدى المدراس القريبة من سكنها في مديرية السبعين بالعاصمة صنعاء، وعلى الرغم من أنها لا تستلم سوى نصف راتب بين كل فترة وأخرى، الا أنها حريصة على الإستمرار في أداء وظيفتها حتى وهي تدير مشروعها الخاص.