نسيانُ الخوفِ ، والشعورُ بالأمانِ
لم تكن الصيدلانية الشابة - التي تخرجت في كليتها نهايةَ عامِ (2014م) - تَعْلَمُ ما تخبِّئُه لها الأيام، حتى عادت إلى وطنها في نهاية سبتمبر/ أيلول من العام (2015م)، بَعْدَ أن غابت عنه مدةً غيرَ طويلة، أبت إلا أن تعود على الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها بلادُها. غيرَ أنها استُقبلت بِدَوي المضادات وأصوات انفجارات الصواريخ، التي كانت تصيب أهدافَها في كثيرٍ من الأحيان، حاصدةً معها عددًا غيرَ قليلٍ من الأرواح.
في صنعاء تغيرت كثيرٌ من الأمور، على الرغم من قِصَرِ المدة التي قضتها (أسماء) خارجها وخارج اليمن بصورة عامة. فوالدها – وهو المعيل الوحيد لأسرتها، ولا يزال يعمل بوظيفة مهندس اتصالات - لم يفقد عمله بعد، في الوقت الذي فقد فيه كثيرٌ من العمال أعمالهم، إلا أن والدها - في المقابل - لم يتسلم رواتبه منذ ما يزيد على العام، شأنُه في ذلك شأنُ كثيرٍ من موظفي المؤسسات الحكومية.
"بسبب الأوضاع الاقتصادية الاستثنائية، اضطرت الشركات الخاصة إلى الاستغناء عن كثير من الموظفين"، هذا ما قالته (أسماء). وهو السبب ذاته، الذي دفعها إلى البحث عن فرصةٍ؛ لمساعدة نفسها وأسرتها، التي تتكون من أختٍ تكبرُها وتوأمِها وأخٍ أصغرَ، بالإضافة إلى والدتها التي تعمل ربة منزل، وذلك في مواجهة أعباء الحياة، والبحث عن (الأمان)، وهو ما تفتقده بحسب قولها.
سبق لـ(أسماء)، أنْ كانت إحدى المتدربات، اللواتي اشتركن في " مبادرة الشراكة الأميريكية الشرق أوسطية " ، التي نفذتها (مؤسسة تنمية القيادات الشابة)، فيما يخص المشاريع الصغيرة والأصغر. كما أنَّ (أسماء)، تصف نفسها بأنها: من المتابعين الجيدين لأنشطة المؤسسة وبرامجها، عبر صفحتها على منصة موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك).
ما إنْ تبادر إلى مسامع (أسماء)، عن طريق الصفحة ذاتها، بعد وصولها من السفر بمدة قصيرة، قُرْبُ البدءِ في التحضير لبرنامج (تنمية نحو السلام)، المُنَفَّذ من قبل (مؤسسة تنمية القيادات الشابة)، وبالتعاون مع اتحاد نساء اليمن - حتى شرعت في التسجيل فيه مباشرة. وكانت حريصةً على أن تنتهز هذه الفرصة؛ لتتغلب على الخوف الذي ظل يراودها، فيما إذا ظلت موظفةً، فقد يتم الاستغناء عنها في أي وقت ما.
بدأ تنفيذ المشروع في العام (2012م)، واستهدف الشباب من الجنسين، وشمل محافظات (عدن، وتعز، وصنعاء). ويهدف إلى بناء قدرات الفِتية والفتيات وتنميتها، وتأهيلهم في مجال التدريب المهني، وتدريبهم على المهارات الأساسية لمهن العمل الحر، كمشروعات الطاقة البديلة، وكذا الصناعات البسيطة، مثل: صناعة البخور والعطور، ومهارات قص الشعر وتزيينه، وصيانة الجوالات والحاسوب والنجارة، ومهن الأسر المنتجة، وأخرى متنوعة. هذا بالإضافة إلى عقد دوراتٍ تدريبيةٍ فيما يتعلق ببرامج بناء السلام والحكم الرشيد، وإدارة الأزمات، والمهارات الوظيفية. وتسعى – جميعُها - إلى تمكينهم من البَدْء في تأسيس مشاريعهم الخاصة.
"وَضْعُ البلد، وعدم ديمومة الوظائف، والخوف من الفشل، يجب ألا يقف عائقًا أمام طموح الإنسان"، هذا ما وضّحته (أسماء) لاحقًا.
كان الالتحاق بالبرنامج، هو (الأمان) الذي كانت ترغب في أن تحس به، على الرغم من أنها لم تكن تعلم الكثير عن كيفية إدارة المشاريع الصغيرة، وكانت تحتاج إلى إرشادٍ فيما يخص الحسابات وأساسيات الإدارة المالية كأغلب الشباب الملتحقين بالبرنامج، الذي استهدف (6477) شابًا وشابة.
أمتد هذا المشروع – الذي تموله وزارة الخارجية الهولندية و بالشراكة مع منظمة كير- إلى أربعة أعوام، ويأتي في إطار بناء قدرات أبناء المجتمع المدني؛ لتجنيبهم النزاعات، ولتطوير قدراتهم في بناء السلام، والإسهام في تعزيز أصوات الشباب، لتصل إلى مسامع صناع القرار؛ بغيةَ تحقيقِ مشاركةٍ مجتمعيةٍ فاعلةٍ، وتمكينهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا من خلال مساعدتهم على خلق فرص عمل.
واستفاد المشاركون من جهود البرنامج في التوعية بالتعايش السلمي والمواطنة والحكم الرشيد، وإعداد المشاريع وتمويلها. وتم تنفيذ نحو (29) مبادرات شبابية في المحافظات الثلاث المستهدفة، وبإشراف موجهين مختصين.
وبانتهاء المشروع، تم تأسيس (19) مشروعًا صغيرًا، وتكونت (15) مبادرة شبابية، وتم عقد (9) تدريبات في إدارة الأزمات والتعايش والحكم الرشيد، وتم إقامة (11) تدريبًا في تطوير المهارات الوظيفية، و (6) أخرى في المشاريع الصغيرة، وتم إنتاج (17) فيلم وتم عقد (90) جلسة عرض أفلام. وخُتِم المشروع بإنتاج أغنية عن التعايش والسلام.
رغبة (أسماء) الجادة في بدء مشروعها التجاري، تَمَثَّلَ في حصولِ دراسةِ الجدوى التي أعدَّتْها - خلال مدة البرنامج وبتوجيهٍ مِن المدرِّبِين - على المركز الأول؛ ولذلك أُعطيتْ التمويل المخصَّص لمساعدتها على بدء مشروعها، والذي كان عبارة عن استئجار جزء من عيادة طبية نسائية في إحدى مناطق أطراف العاصمة اليمنية صنعاء في الفترة المسائية فقط، وهو الوقت الذي تعمل فيه العيادة، تُقَدّمُ فيها علاجات وأدوية خاصة بالنساء.
(أسماء) – اليومَ - أفضلُ من أيِّ وقتٍ سابق؛ فهي تمتلك مشروعها الخاص، الذي لطالما كانت تحلم به، وباتت لديها خبرة تجارية. وتطورت مهارات الاتصال والتفاوض لديها، وبخاصة فيما يتعلق بتواصلها مع المورِّدِين وشركات الأدوية. وباتت تثق بنفسها أكثر من ذي قبل، وتثق في قدراتها.
"إذا ظل الشخص، يفكر في المعوقات فقط؛ فلن يبدأ في أيِّ مشروع، فلا توجد مشكلة ليس لها حلٌّ. على المرء أن يبدأ، طالما كان يؤمن بفكرته؛ لأنه سيتمكن – بإذن الله - من تحقيقها حتمًا"، هذه كانت نصيحتها لكل شابة وشاب، يمتلكان فكرةً، ويريدان أن يتغلَّبا على خوفهما.