الحروب والفرص الإقتصادية؟؟
في كل تاريخ الأمم، كانت الحروب نقطة محورية في تغير معالم الأمم وحضاراتها وثقافاتها واديانها وحتى اقتصادها. فالحروب دائماً ماتفرز الكثير من العوامل التي تأثر على مكونات الشعوب، فمنها فرص ومنها تحديات. ولكن الحالة الذهنية للكثير تقف عند المعوقات ولا تتجاوزها إلى الفرص التي قد تفرزها الحروب والنزاعات. وهذا أمر طبيعي فحالة القلق والإحباط والتعب والارهاق هي التي تكون لها اليد العليا على الشعوب، لذا تتكون لديهم حواجز عملاقة تمنعهم من النظر إلى ما بين أيديهم من فرص.
قيل قديماً "النجاح يولد من رحم المعاناة"، و كلنا نرى كيف ينبثق الضوء من الظلام، وهذا هو الحال الذي ممكن أن تسببه الحروب. فلو نظرنا إلى العالم قبل الحروب العالمية وبعدها سندرك يقيناً أن الإقتصاد تغير كلياً، وانتفضت أمم من تحت الركام لتقود اقتصاديات العالم أجمع.
فما أعجوبة سنغافورة عنا ببعيدة، فقد رأينا كيف تحولت إلى أحد أهم الوجهات الإستثمارية في العالم وهي التي وجدت متروكة وحيدة من دون أي موارد طبيعية لتجد نفسها أمام تحدٍ مصيري هو تحدي "البقاء"!! وغيرها من الأمم الأوروبية التي تدمرت بنيتها التحتية قاطبة وأصبحت لا معالم لها، لكنها نهضت وتقدمت وقادت الأمم اقتصادياً وعلمياً.
لكن كيف يمكن القيام بذلك؟!!
من المهم علينا أن ندرك أن القيام بأمر عظيم كهذا يتطلب وقوف الجميع جنباً إلى جنب تاركين كل خلافاتهم وراء ظهورهم، وأن يدرك الجميع أنه دورٌ لا مناص من أن يشترك الجميع في ادائه، فلا يمكننا القول بأنها مسؤولية جهة أو أفراد أو حتى جماعات، بل إنها مسؤولية تكاملية لا تكتمل أركانها إلا بالعمل الجماعي.
وهناك عدة استراتيجيات سيمكن إتباعها من نمو الإقتصاد، أولها ما يسمى "بالاقتصاد الوليد"..
إن تطور الاقتصاديات العالمية كان لابد له من وجود "أسواق عالمية" تروج وتبيع سلعها إليها، وهذا ما نتج عنه مايسمى ب"الدول المتقدمة" و "الدول النامية"، وإذا رأينا إلى الأمر من منظور سوقي فإن المسمى السوقي لهذه الدول هي "دول منتجة" و "دول مستهلكة". ودائماً ما تسعى الدول المنتجة إلى إبقاء الدول المستهلكة على ماهي عليه وإلا فإنها تفقد جزء كبير من أسواقها الأمر الذي يعود عليها بالخسارة.
إن الحروب في حقيقة الأمر تهيء المناخ للافتكاك من هذا الإرتباط من خلال التركيز على استراتيجيات متنوعة، منها استراتيجية "الإقتصاد الوليد". ويقصد بالإقتصاد الوليد هو القيام بعملية إحلال لما يتم استهلاكه محلياً من السلع المستوردة بالسلع المصنعة محلياً، وهذا الاستبدال أيضاً قد يتيح للدول أن تطور صناعاتها المحلية لتتمكن من تغطية احتياجات السوق المحلية، وقد يتجاوزه إلى تطوير سلع ومنتجات بخصائص تنافسية تمكنها من الخروج من كونها منتج محلي إلى أن تصبح منتج عالمي.
فلو تمعنا قليلاً في بعض المنتجات التي نستخدمها اليوم "السيارات" مثلاً ، سنرى أن كوريا واليابان وألمانيا وحتى ماليزيا، أسواقها تقودها منتجاتهم المحلية من السيارات، بل إنها انتقلت من الإكتفاء الذاتي إلى أن تصبح مورداً أساسياً من موارد الدولة. وما السيارات إلا مثال واحد من مجموعة من الأمثلة.
إن القيام بهذا الأمر يتطلب تكاتف الجميع من مجتمع ومواطنين وأجهزة حكومية لانجاحه. فهناك حاجة إلى تقنين الاستيراد ولكن بعد إيجاد بدائل محلية تعوض الفاقد الذي قد ينتج من تقنين وتخفيض عمليات الاستيراد. وتخفيض عمليات الاستيراد يكون من خلال تشجيع وتطوير منتجات محلية يقدم لها كل أنواع الدعم والفرص من خفض للجمارك والضرائب على المواد الخام وأيضاً المساهمة في دعم وتوفير البنى التحتية المطلوبة لدعم عمليات الإنتاج المحلي، وتشجيع وتحفيز المستوردين من التحول من أنشطة الاستيراد إلى أنشطة التصنيع بحيث لايفقدون مصادر دخلهم من جهة، وحتى لا يتحولوا إلا مناهضين لهذه الفكرة من جهة أخرى. ويجب التركيز بشكل رئيسي على إنتاج السلع الأكثر استهلاكاً والتي غالباً ما ترتبط بالأمن الغذائي. واليمن عموماً، تمتلك مقومات بيئية وزراعية ومائية تمكنها ليس فقط من الإكتفاء الذاتي ولكن من التحول إلى رفد دول الجوار بالمواد الغذائية الأساسية.
ومن جانب آخر، هناك مورد مالي مهم يجب استثماره والعمل عليه، ألا وهو "حوالات المغتربين". حقيقة، هذا مورد مالي مهم ولكنه غير مستثمر بطريقة صحيحة فهي موارد تستخدم في عمليات الشراء والاستهلاك من قبل أصحابها. إن المبالغ الواردة إلى اليمن كحوالات خارجية من قبل المغتربين من المتوقع أن تتجاوز المليار دولار سنوياً، ولنا أن نتخيل أن هذه الأموال إنما نقوم بتحويلها إلى الخارج كوننا مجتمع مستهلك لما نستورد فنقوم بدفع هذه المبالغ لشراء منتجاتنا من الخارج، فلو بقت في الداخل فإنها ستشكل مورد مهم للاقتصاد المحلي، فيتم استخدامها لشراء المواد الخام عوضاً عن المنتجات الإستهلاكية.
أما الجانب الثالث هو أهم مورد يمكن أن تكسبه أي أمة في العالم هو المورد "البشري." إن اليمن تعتبر دولة فتية أي أن فئة الشباب القادرين على العمل أكبر من فئة الكبار في السن المقبلين على التقاعد، وهذا المورد هو حلم أي أمة. ويمكن إستثمار هذا المورد على أكثر من وجه. فمن الممكن تنمية قدرات الشباب والاهتمام في الجانب التعليمي والفني والمهني والعمل على تنظيم عملهم داخل وخارج البلاد والتعامل معهم كأصل مهم من أصول الدولة التي لابد تنميتها واستثمارها، فإن هي عملت في الداخل كانت مصدراً قوياً وعاملاً فعالاً في الإقتصاد، وإن هي عملت في الخارج كانت عنصراً فاعلاً في تحويل الأموال إلى الداخل. وبالرغم من وجود أعداد كبيرة جداً من المغتربين والمهاجرين خارج البلد، إلا أن عائداتهم المالية لاتقارن مع عائدات دول أخرى قد يكون عدد مغتربيها أقل من ذلك. ويرجع السبب إلى عنصرين أساسيين، أما الأول، هو ضعف الخبرات الفنية والعلمية التي تصعب عليهم عملية المنافسة أو طلب مبالغ أكبر. وأما الثاني، فهو عدم وجود أنظمة رسمية تنظم عملية الاغتراب والاهتمام بالمغتربين وحقوقهم والعمل على تطوير قدراتهم والسعي لتوفير فرص أفضل لهم.
إن ماتم سرده ليس سوى جزء من الكثير من الاستراتيجيات والخطط التي بإمكانها أن تعمل على تقوية وتعزيز الإقتصاد المحلي وتنميته، لكن يبقى هناك عنصرين رئيسيين هما اللذان يحركان ويعملان على إنماء ذلك، انهما عنصرا "الإرادة" و "الإدارة." فمتى ما وجدت الإرادة الحقيقية من جميع الأطراف ممثلة بالإدارة الكفؤة والمتمكنة والمدعومة، فإنكم لن تستطيعوا تخيل الأعجوبة التي سنقدمها للعالم.
#الوصايا
#تنمية #تطوير #اليمن